ليلة الخامس والعِشرون من يناير, الهاتف يرن
كريستين: ازيك يا أحمد عامل ايه؟
أحمد: كويس, انتي اخبارك ايه
كريستين: بتعمل ايه؟
أحمد: على الفيس متردد مش عارف هنزل فين بالظبط محتار بين الاماكن
كريستين: أحمد أنا هنزل معاك
أحمد: الموضوع ده إحنا اتناقشنا فيه كتير ومش هتكلم فيه تاني أرجوكي يا كريستين صدقيني أنا خايف عليكي
كريستين: أحمد, نفسي اجرب عاوزة نزل بجد
كانت هذة بداية النهاية,وإنتهت المناقشة بعد خلاف كبير بينهما, فهو يخاف عليها ولا يريد ان يعرضها للخطر, ولكنه يعلم جيداً انها سوف تنزل سواء معه أو مع غيرة, ومن خوفه عليها اضطر في النهاية على الموافقة على الاقل ليكون بجانبها ليحميها ان حدث شئ
هو أحمد, وهي كريستين.. أصدقاء في الجامعه منذ حوالي الثلاثة سنوات, في نفس الكلية ونفس القسم ونفس السيكشن, منذ شاهدها أول مر وهي لم تفارق عينه, وما ان لبث ان تعطيه الصدفة الرائعه ويجدها معه في نفس الكلية ونفس القسم, سادت تلك النظرات بينهما في ايام قليله, حتى استجمع قواه في يوم وتكلم معها, ولكن كانت الصدمة الكاسحه لهما عندما سألها ما اسمك فأجابة كريستين, حينها فقط تودد الاحساس الى نفسه بأن الدنيا أبداً لا تعطيك كل ما ترغب فيه
ولكن وان كان يعلم كل منهما ان علاقتهم لن تتعدى الصداقة والصحوبية, وبالرغم من هذا كانا افضل صديقين لبعضهما البعض, وكان الجميع في اي حادث فتنه طائفية يذكرهما بالخير, شايفين أحمد وكريستين صحاب وبيحبوا بعض ازاي؟؟
لم يستطع النوم في تلك الليلة من شدة التفكير, قليلاً على الفيسبوك, وقليلاً ينظر الى عدد الاشخاص على الايفينت, وأغلبية الوقت كان يقضية على صفحة كلنا خالد سعيد ليطمئن نفسه بأن العدد كبير وأنه لن يكون لوحده في هذا اليوم
يوم الخامس والعشرون, الساعه الحادية عشر صباحاً
الهاتف يرن, أحمد: لسه مصممه تنزلي؟
كريتسين: ايوة طبعاً أنا لبست وجاهزة
أحمد: خلاص هقابلك في شارع جامعة الدول اووك
كريستين: خلاص إتفقنا
وتقابلا, وقررا التوجه الى مسجد مصطفى محمود, كانا ينظرا الى بعضمها البعض كلن خائف على الآخر, ولكن هو كان يريد ان يجعلها تشعر بأنه مطمئن, بدأ الهتاف وبعد قليل قرر أحد الشباب أن يدفع عساكر الأمن المركزي لينطلقوا خارج المسجد, ونجح الشباب في ذلك وبعد قليل كان كل من ينظر الى شارع جامعة الدول, لن يجد مكاناً يقف فيه لا أن تمشي فيه سيارتة, كانت الفرحه تغمرهما
وتوالت الأحداث, الى أن جاءة الساعة الثانية عشر مساءً والى أن قرر المتظاهرون البقاء في التحرير والاعتصام فيه ,وبدأ هو يحاول إقناعها بأن تعود الى المنزل, وأن تذهب ولكن مخها الصعيدي كما يقول لها دائماً قفل,
الى ان جاءت لحظة الحسم وبدأت الحرب, الساعه الواحدة بعد منتصف اليل القنابل المسلة للدموع في كل مكان والرصاص المطاطي لا يفرق بين ذكر وأنثى وبكل تأكيد لن يفرق بين مسلم ومسيحي, وكان قرار الجري هو القرار الصائب بعد استحالة المقاومة واستحالة التنفس, وكان القدر حاضراً, وأجتمع القدر بسوء الحظ, وتعثرت كريستين وهيا تحاول الجري , وكانت هذه هي اللحظة لحاسمة إذ ساعدها على النهوض وشاء العسكري أن يطلق رصاصة, لا يعلم أين ستذهب وماذا ستفعل, فقد كانت الأوامر هكذا, وهو عبدالمامور, وها هي الرصاصة تخرج من مسدس العسكري -الذي لا يعلم احداً ان كان مسلماً ام مسيحياً- الى عينة, والأخرى الى جسدة, وتتلوها الثالثة لتنهي الأمل في ان تكون له كلمة اخرى في هذة الحياة
لم تستطع كريستين ان تفعل شئ, فقط تصرخ بأعلى صوتها أحمااااااااااااااااااد, فهي هنا لا تبكي على صديقها فقط, بل تبكي على أكثر انسان عشقتة واحبته على وجه هذة الارض
يومان, وتفوق كريستين وأول كلمة قالتها احمد؟ فأذا بوالدتها تحضنها بشدة وتهمس, أحمد إستشهد, أحست وكأنها شلت وكأن رصاصة سكنت قلبها, الدموع تنزل من عينيها حين يكون الكلام صعب جداً ويكون التعبير أصعب تكون للدموع الفرصة للظهور, ولحظات وبدأت تقول لنفسها أنا السبب لو لم أسقط لما حدث كل هذا, وبدأت تتذكر كلماته, انا خايف عليكي, خليكي, مش هقدر أركز في نفسي ولا أركز فيكي انتي, الدموع تملأ عينيها, وهي مزبهله, لا تستطيع الإحساس بأي شئ يدور من حولها
كان تريد الذهاب الى والدته, لكنها لم تستَطِع, نهضت بسرعه وتوجهة اللى اللاب توب, وفتحت صفحته على البروفايل لتجد آخر كلماته, أنا مش خايف, أنا بحب بلدي اوي, لازم نحرر مصر.. ووجدت تعليقه وهو يرد على أحد اصدقاءه, المشكله إني مش عاوز كريستين تنزل معايا وهيا مصممه, وأنا عارف انها هتربكني قوي,
إعتصرت الألم في داخلها, وذاد الاحساس بتأنيب الضمير وبأنها السبب في كل هذا
وهنا قررت أن تأخذ مكانه, وأنها لن تعود الى بيتها الا عندما تتحرر مصر, كما كان يقول
مرت الساعات القليلة من يوم الخميس سريعة, وجاء يوم الجمعه, لتقرر كريستين أن تنزل الى المظاهرة المليونية, "جمعة الغضب"وحدها, فقد رحل من كان بجنبها, حاول كل من في البيت منعها ولكن بلا فائده, هي الآن لا تفكر سوى في الثأر, الثأر لصديقها وحبيبها, الذي توفى ليعطيها املاً في حياة أخرى وفي بلدها التي علمها أحمد كيف تعشقها
نزلت وهتفت ولكن هتافها كان أقوى من أي شخص آخر, هتاف يملؤه الايمان والحب, كان من قلبها كان على حبيبها, الذي يوماً علمها كيف تعشق تراب هذا الوطن, كريستين التي فقط اخذتها الحماسة لتشارك في المظاهرة الاولى, أصبحت أكثر إنسانة تريد الإنتقام من كل شخص كان السبب في مقتل أحمد
تنحى حسني مبارك, فلم تتمالك فرحتها, وهنا قررت ان أول شخص تذهب الية لتهنئة هو والدة أحمد, ذهبت اليها وما أن فتحت الباب, ارتمت عليها وحضنتها بشده, وقالت لها, النهاردة أنا اقدر اجيلك واقولك أنا آسفه وأنا مستريحه وحاسة إن حق احمد ودمه ما راحش هدر..
بعد ايام ليست بكثيرة, كانت كريستين عائده الى بيتها في المقطم, وسمعت بشجارات كثيرة في المنطقة فسألت أحد المارة ما الذي يحدث فقال لها, خناقة بين مسلمين ومسيحيين, إنفعلت عليه وبكت بشده وجرت الى المكان فوجدت مشادة وضرب بين اشخاص كثيرون, لا تعلم اهم مسلمون ام مسيحيون, فوقفت بينهما, "وصرخت بأعلى صوتها لأاااااااه أرجوكم بلاش, أبوس ايديكم ما تعملووش كده, أحمد مات علشاني؟ أنا مسيحية بتعملوا كده ليه" ولم يعرها اي شخص ادنى أهتمام, فصرخت الصرخه الأخيرة, التي كانت كفيلة بأنهاء حياتها, أحمد كان مسلم أحمد مات علشاني, وشاء القدر بطلقة أخرى كتلك الطلقة التي تلقاها أحمد في عينة ولكن هذة المرة سكنت صدرها بهدوء, حينها هدأت كل عواطفها ولم تقل اي شئ وأحست براحه شديدة تغمرها, على الأقل لأنها ستقابل حبيبها, وكانت آخر كلمة تنفستها أحمد كان بيحب مصر, وانا كمان بحب مصر, أحمد مات علشاني وانا النهاردة مت علشان مصر..
لا يعلم أحد إن كانت الطلقة التي تلقتها كريستين من مسلم أو مسيحي, كمثل الطلقة التي تلقاها أحمد
ولكن ان اختلفت طريقة الموت, والسبيل والهدف
فسوف يظل دائماً.. الدين لله والوطن للجميع
0 التعليقات:
إرسال تعليق