طبعاً أول فكرة ستأتي علي ذهن الناس عندما تنجح الثورات، أن يكونوا حزباً يعبر عن الثورة و هذا منطقي الحدوث من واقع الجو العام و الزخم الحاصل حولها.
لكن دعونا نفكر في بعض الأمور و الأسئلة الهامه سوياً:
أولاً: هل الثورة كان وراء قيامها تنظيم معين أو قيادة لها مرجعية و تيار فكري بتتبناه أم كانت ثورة شعبيه خالصة و المجهودالذي قام به النشطاء من جميع التيارات هو التنظيم و التنسيق؟
ثانياً: هل نحن محتاجون لحزب جديد يعبر عن الثورة و شبابها فقط؟
ثالثاً: ما هي توجهات و مباديء هذا الحزب؟ هل سيكون حزب ديمقراطي شامل أيضاً مثل الحزب الوطني؟
من منطلق هذه الأسئلة و خبرتي البسيطة كمواطن مصري موجود و مشارك بالأحداث في مصر، يمكن أن أقول إن الثورة كانت شعبية بلا مرجعية واحدة بل شملت جميع أطياف المصريين ممن لهم توجهات سياسية و ممن لا يوجد لهم أي توجه سوي حب مصر و كره النظام البائد بظلمه الشديد و فساده المستشري.
سيقول لي البعض إن الأحزاب الحالية مريضة و تعتبر في أغلبها جزءاً من النظام القديم لذلك يتوجب علينا إنشاء حزباً جديداً و فعالاً مبني علي شرعية الثورة، و أنا أقول لهم معكم الحق و لا ينكره أحد، و لكن هل يكفي حزب واحد لاستيعاب كل من شاركوا بالثورة؟
هل يعقل أن ينضم العلمانيون مثلاً مع الإخوان في حزبٍ واحد؟ قطعاً لا!
و إن لم يستوعبهم الحزب الجديد هم و غيرهم من أصحاب التوجهات السياسية المتباينه، فإن ذلك سيعني تخلي حزب 25 يناير عن الكثير ممن شاركوا بالثورة، وهذا أيضاً خطأ سياسي كبير لأنك بذلك ستكون كمثل من يقفزون علي السلطة و يستبعدون غيرهم بدون وجه حق و سيفهم الناس ان حزب الثورة هو من قام بالثورة فقط و غيره من باقي التيارات ليس لها أي دور، و هذا غير عادل و بداية سيئة للديمقراطية بكل تأكيد.
أما إذا أخبرتني بأن هذ الحزب سيقوم عليه و سيضم أهم العناصر التي عملت علي تنظيم هذه الثورة، فدعني أقول لك آن هذا سيكون أمر في غاية الخطورة من عدة جهات:
أولاً: هذه الثورة لا ينسب فضلها لأي مجموعة أو أفراد بشخصهم مهما قدموا لها، أي أن الثورة ليست ملكً لأحد و كلنا مقتنعين بذلك، و لكننا بطبيعتنا لم نعتد الديمقرطية بعد و نميل لشخصنة كل شيء و حصرة في مجموعة من الأفراد، و هذا من إرث ثواراتنا القديمة، و بكل أسف إن هذا المنحي في التفكير سيوصلنا لما يشبه أن حدث في ثورة يوليو ٥٢ و سنضع مقدراتنا في أيدي مجموعة من الشباب الثوار، المخلصين ربما و لكن لا يعبرون كلياً عن فئات الشعب، و هذا يتنافي مع الديقراطية أيضاً.
ثانياً: أما إذا قلت لي أن هذا الحزب سيكون قادراً علي احتواء أغلب فئات المصريين، و ستكون مبادئه شامله لكل تطلعات الشباب، فسأقول لك هذا ممكن، و لكن ألا تري بأننا سنسير مرة أخري في طريق جمهورية الحزب الأوحد، و سنخلق حزباً وطنياً جديداً؟ ألا تعلم أن أغلب المصريين البسطاء سينضمون لهذا الحزب لأنهم سيقولون هذا حزب الثورة العظيمة فلننضم للعظماء و أضف لهم أعضاء الحزب الوطني أيضاً القدامي فهم مع التيار غالباً، و هذا بكل تأكيد سيقتل باقي الأحزاب و سنعود مرة أخري وطني و إخوان و لكن هذه المرة ثورة و إخوان!
أظن أنكم تخيلتم إني لا أؤيد قيام أحزاب جديدة بعد هذه الرودود أو إنني ضد حزب ثورة ٢٥ يناير و خلاص! لا أبداً و لكن فقط أنا أردت أن أبين مساويء الأمر و أردت أن أقترح حلاً يتناسب بشكل أفضل مع الديموقراطية و أري باختصار الآتي:
١- عدم ربط أي حزب جديد بأنه حزب الثورة حتي لا يترسخ عند عامة الناس أنه الحزب المميز و غيره درجة ثانية، و لاحظ أننا كعامة المصريين ما زلنا متأثرين بفكرة الحزب الوطني، فدعونا لا نصعب الأمر علي الناس من البداية، مع تأكيدي علي حرية تأسيس الأحزاب طبقاًِ للدستور و القانوين الجديدة و التي ستكفل ذلك
٢- مراجعة الأحزاب القائمة و ما يكون مناسباً و يصلح للاستمرار فليقوم مؤيدي مباديء هذا الحزب بتعريف الناس به و بدء الإنضمام إليه في أسرع وقت و التنسيق مع قيادته و دعوة الشعب له.
٣- تأسيس مجموعة من الأحزاب -و بالطبع للجميع الحرية في ذلك- علي أن تكون أحزاب جادة و تعبر عن التنوع الفكري لدي المصريين و يفضل أن يشارك في تأسيسيها النشطاء في ثورة ٢٥ يناير و من عاونهم من حركات معارضة جادة، و كل مجموعة من الشباب ذات توجه محدد عليها تأسيس أو الإشتراك فيما يمثل توجهاتها من أحزاب، و أود أن أوضح أننا تخطينا مرحلة المعارضة لنظام مبارك و من المعلوم أن إتحاد المعارضة القائم الذي كان قائماًلمعارضة مبارك يجب أن يعود لوضعه الطبيعي في أحزاب متنافسه و متداوله للسلطة، و تنوع الأحزاب لن يعني أننا نصبح أعداء، و لكني أعتقد أننا جميعاً نسعي لخدمة الوطن و لكن كل حزب من منظورة و من مرجعيته التي يري أن الإصلاح سيأتي من ناحيتها، و دعوني أؤكد أيضاً أن الأحزاب بإختلافها تكمل و تقوي بعضها البعض علي عكس حكم الحزب الواحد الشامل الكامل.
أخيراً أسألكم هل قمنا بهذه الثورة المباركة ليكون كل واحد فينا قادر علي التعبير عن رأيه مهما كان ملفاً لباقي الشعب و أن يجد احترام لهذا الرأي و تمثيل حقيقي له؟ أم قمنا بهذه الثورة لنزيح مبارك فقط و نترك البلد و مقادراتها لمن يحالفه الحظ و يسيطر علي حزب الثورة الحاكم و نصنع عصراً لربما أسوأ من عصر مبارك نفسه؟
إخواني و أهلي كل المصريين، يجب أن نعي ما نحن مقدمون عليه من مستقبل واعد و تغيير عميق لشتي مناحي حياتنا، و إني لأعترف أنه صعب و لكن يجب أن نثبت أننا لسنا شعب الفورات الوقتيه و لكننا شعب يري و يعي ما هو مقدم عليه و يفهمه و يفكر فيه، و كما صبرنا و وقفنا أمام النظام الفاسد طوال هذه الأيام في ملحمةٍ لم يصدقها العالم حتي الآن، فإنه يجب أن نتعلم أن كل أمورنا و قرارتنا القادمة يجب أن تكون مدروسة أكثر من أي وقتٍ مضي.
إن قيام الثورة و التوحد علي أهدافها لم يكن صعباً علينا لأن النظام كان قد أوصل الجميع لنفس الشعور الجماعي فكان الخروج عفوي و مليوني و كنا علي قلب رجلٍ واحد بأمنية واحدة هي رحيل النظام، و لكن الآن الإختيارات أعقد و أصعب و بات من السهل لأعدائنا التشويش علي وحدتنا و أفكارنا، فلزاماً علينا أن نفكر و نفكر بعمق في كل ما سنقرره في هذه الأيام و الشهور القادمة، و أيضاً أن نشرح ذلك لمن لا يملكون الوعي السياسي الكافي ماذا يجري، حتي لا تضيع مكاسب الثورة في أيدي مغامرين أو نصنع زعيماً فاسداً مرةً أخري أو نسلمها لأعدائنا عن طريق من نظن أنهم مخلصون لنا!
واجب لاينسي
تحيه خالصه باسم كل شعب مصر و كل الأحرار في العالم لشهداء الثورة الأبرار و نحتسبهم عند الله كذلك، و ندعو لهم بالرحمة و المغفرة بإذن الله
أود التوجه بالشكر و التقدير للدكتور محمد البرادعي الذي مهما إختلافنا حوله أو معه لا نستطيع أن ننكر دوره في نشر فكرة التغيير بطلبات بسيطة و واضحة و محددة مما حمس الكثيريين و أعطاهم رؤية أوضح لما يمكن أن يحدث، و قد كان.
و أيضاً الجمعية الوطنية للتغيير و جميع أعضائها و خاصةً حملة جمع المليون توقيع التي جابت ربوع مصر كلها لتنشر فكرة التغيير، و هذا من رأيي كان له عظيم الأثر في توعية الشعب في مدن مصرية كثيرة، و علي رأس المجموعة الناشط ناصر عبدالحميد.
و أضيف بكل تأكيد حركة 6 إبريل و الناشط وائل غنيم الذي استطاع أن يبني قاعدةً قوية من الشباب الثائر عن طريق مجموعة كلنا خالد سعيد علي الفيس بوك، و كل من كانوا يعملون معه و مع حركة 6 إبريل لنشر الوعي علي الفيس بوك و التحضير ليوم بداية الثورة و المظاهرات علي الإنترنت.
و لا أنسي جماعة الإخوان المسلمين، ليس لانضمامهم للمظاهرات فهذا دورهم المعهود منذ عقود و لكن لتطور أدائهم السياسي في هذه الأحداث الصعبة و قيامهم بكثير من الأعمال التنظيمية و اللوجستية مع باقي الثوار.
و كل الشكر و العرفان لكل النشطاء و المستقلين و المعارضين المخلصين و كل المصريين الشرفاء الذين أبرزتهم الثورة كقادة ميدانيين في المظاهرات، و ميدان التحرير و كل مصري مخلص و يحب مصر!
و أخيراً، أود أن أقول أن هذه ثورة شعب، لأنه لا يوجد ما يسمي بثورة شباب، فالشباب في كل العالم هم وقود الثورات، و يتبعهم الباقون، حتي في الثورات العسكرية يثور الضباط الشباب أولاً، إن كل المصريين شاركوا في هذه الثورة من أطفالها لكهولها سواءً بالدعوة لها، تنظيمها، النزول فيها، الحملات الشعبية، الدعاء لها أو حتي بالمشاركة الوجدانية.
"The revolution has always been in the hands of the young. The young always inherit the revolution." Huey Newton
إنها ثورة الشعب، ثورة 25يناير، ثورة كل المصريين!
تحيا مصر،
0 التعليقات:
إرسال تعليق